خدعة الطفل الداخلي، الفنغ شوي، التشاكرا، والطاقة الكونية

كل الطرق تؤدي إلى الفراغ… إلا واحدة.

هل جربتِ كل شيء يومًا؟ حرفيًا كل شيء.
تخيلّي نفسكِ تركضين في ماراثون طويل، تملكين المال والوقت والطاقة، لكن لا خط للنهاية. الطريق مليء بلافتات: “هنا الراحة”، “هنا السعادة”، “هنا الطاقة الإيجابية”، لكنكِ تغرقين في العمق.

غريب؟ نحن جيل كامل تائه بين وعود “السعادة السريعة” وواقع مرير يعيدنا لنفس الفراغ.

---

البحث عن كل شيء… واللاشيء

إيناس سمعان، معلمة لغة إنجليزية، امرأة عادية تمامًا، زوجة وأم لثلاثة أولاد، “المثالية” كما يُقال: بيت جميل، عائلة محبة، وظيفة محترمة. لكن داخل هذه الحياة المثالية، هناك شعور آخر ظل يطرق رأسها: “ليش أحس إنو ناقصني شي؟”

هل مررتِ بنفس الحالة؟ شعور غريب، وكأن كل ما تملكينه لا يُشعركِ بالاكتفاء.
وهكذا بدأت الرحلة. ليس نحو السعادة، بل نحو تجربة كل “موضة” متاحة في كتب التنمية الذاتية وتغريدات “مدربين الحياة” اللايف كوتشز المحترفين.

---

الأمل الأول: أجندة الـ 5 صباحًا

كثيرًا ما نقع في فخ التفكير أن الحل يبدأ “بالاستيقاظ المبكر”. نادي الخامسة صباحًا – The 5 AM Club – كتاب، ونظرية، وفكرة رائجة عن أن النجاح يبدأ عندما ينام الجميع.

• استيقظت إيناس فجراً، تمارس تمارين التنفس، تكتب في دفتر يومياتها، تقرأ صفحات من كتاب ملهم.
• ساعة صباحية تشبه أفلام اليوتيوب المحفزة: ضوء الشمس الناعم، كوب القهوة، وهدوء يسبق ضوضاء اليوم.

هل نجحت؟
لا. لأن الساعة السادسة جاءت، وكل شيء عاد كما هو.
تقول : “طوّرت عاداتي، لكن روحي ما زالت مُتعبة.”

الفنغ شوي، التشاكرا، والطاقة الكونية

عندما لم تُجد العادات الصباحية نفعًا، توجهت إيناس إلى “العلاج الطاقي”:

• الفنغ شوي؟ أعادت ترتيب بيتها ليكون “متناغمًا”.
• التشاكرا؟ اشترت أحجارًا كريمة بألوان متعددة: الأزرق للحلق، البنفسجي للتاج، الأخضر للقلب.
• الطاقة الكونية؟ بدأت تتردد على جلسات تنظيف الهالة وغسيل الطاقة والمنجمين في محاولة لربط سعادتها بموقع المشتري (كوكب الحظ الأكبر) في خريطتها الفلكية.

هل تعرفين هذه الجلسات؟ موسيقى هادئة، شموع معطرة، حديث عن “الطاقة السلبية” التي تتراكم حولك وتحتاج إلى طرد. جلسة بعد جلسة، كانت تسأل نفسها:
“ليه ما أشعر بالتحسن؟ ليه أحس إني أمثل؟”

الترندات: السلام النفسي في معلبات

في عصر السوشال ميديا، أصبحت السعادة سلعة، والسلام الداخلي ماركة تجارية تُباع في جلسات بـ 3000 ريال وشهادات مطبوعة بألوان زاهية.

• يوغا مع شروق الشمس؟ RSVP.
• كورسات التنفس الواعي؟ جرّبتها.
• تطبيقات التأمل الصوتي؟ حمّلتها جميعًا.

كلها حلول جاهزة، ووعود بـ “التوازن” و”السكينة”.
لكن الحقيقة؟
نحن لا نحصل على السلام. نحن نشتري الوهم.

هل تتذكرين فيلم “The Truman Show”؟ حين عاش ترومان في عالم مثالي مصطنع، لكنه لم يشعر أبدًا بالانتماء؟ هذا هو حال إيناس.

نقطة الانهيار:

في أغسطس 2021، أصابتها كورونا للمرة الثالثة. 12 يومًا على الفراش، بدون طاقة ولا نفس. إيناس تقول:
“كنت أصرخ: يا رب، خلّصني. ما اريد أكمل بهذه الشكل.”

تخيلي شعور الموت البطيء:

• لا رغبة في رؤية أطفالكِ.
• لا اهتمام بزوجكِ.
• لا معنى للحياة.

الفراغ في أقصى صوره.

وفي آخر ليلة، جاءها صوت داخلي يقول:
“ولا شيء مما جربتِ ينفعك.”

العودة إلى الأساس: لحظة التحوّل

في لحظة يأسٍ مطبق، حين شعرت إيناس أن لا مفرّ ولا أمل، مدت يدها تبحث عن إجابة، عن نور يُخرجها من ظلمة الفراغ. فتحت المصحف الشريف، وكأنها تقرأه لأول مرة، لتجد نفسها أمام آية كأنها خُلقت من أجلها في تلك اللحظة:

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (سورة الإسراء: 82)

{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (سورة الرعد: 28)

كلمات اختزلت كل الأجوبة التي بحثت عنها في سنوات، وكل الطرق التي ضلّت فيها.
تصف إيناس اللحظة وتقول:
“شعرت بشيء غريب… كأنها أول مرة أسمع القرآن. كان في داخلي هدوء ما شعرت به من قبل. وكأن الله يكلمني: ‘إرجعي لي، أنا الحل الوحيد.'”

عندما نُمسك القرآن الكريم بصدق ونُصغي لآياته، نجد فيها شيئًا مختلفًا. وكأنها تُخاطب كل سؤال عالق في ذهننا وتطبطب على الجراح القديمة التي لم تُشفى.

هل لاحظتِ كيف نلجأ أحيانًا إلى كل شيء – عدا المصدر الأصيل؟

• نقرأ كتب التنمية الذاتية.
• نسجّل في جلسات الطاقة.
• نُجرب اليوغا، التأمل، وعشرات الحلول المستوردة.

إلا منبع السلام والايمان، كلام الله جل و علا.

الحقيقة الصادمة: ليست كل روحانية مفيدة

بالمناسبة، الكثير من الترندات التي نركض وراءها ليست بريئة.

• بعض جلسات الطاقة ترتبط بمفاهيم غريبة عن الكون.
• كثير من طقوس التأمل تستورد معتقدات دينية لا نفهمها.
• حتى اللايف كوتشز الذين يبيعوننا الأمل… قد لا يعرفون ما يتحدثون عنه.

كما قال جوردان بيترسون “سيء الصيت تره” في كتابه “12 Rules for Life”:
“الحقيقة مؤلمة، لكنها أفضل من العيش في الوهم.”

انظري لهذا الجدول و قارني :

المصطلح العصري / معتقدات أخرى ❌	الأصل في الإسلام ✅
التأمل (Meditation)	الخشوع في الصلاة وقراءة القرآن: تأمل الآيات بعمق وهدوء.
تنفس واعٍ (Breathwork)	التسبيح والاستغفار بطمأنينة: ذكر الله يهدّئ القلب والنفس.
غسيل الطاقة (Energy Cleansing)	الوضوء والصلاة: طهارة البدن والروح تطرد الطاقة السلبية.
المانترا (Mantra)	الأذكار والأدعية: تكرار أذكار الصباح والمساء والأدعية المأثورة.
جلسات التشاكرا (Chakra Healing)	القرب من الله والدعاء: إصلاح القلب والروح بالتوحيد والعبادة.
الطاقة الكونية (Cosmic Energy)	التوكل على الله واليقين به: الاعتراف بأن الله مصدر القوة والرزق.
قانون الجذب (Law of Attraction)	الدعاء وحسن الظن بالله: التوجه لله واليقين باستجابته.
اليوغا (Yoga)	القيام بالصلاة والركوع والسجود: مرونة للروح والبدن مع اتصال بالخالق.
السلام الداخلي (Inner Peace)	الرضا بقضاء الله والذكر: مصدر السكينة والطمأنينة الحقيقية.
تطهير الهالة (Aura Cleansing)	الاستغفار والصدقة: تطهير القلب من الذنوب والهموم.
العلاج بالبلور (Crystal Healing)	التداوي بالقرآن والدعاء: “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة”.
الرفاهية النفسية (Wellness)	التوازن بين العبادة والعمل والأسرة: اتباع نهج الوسطية.
الامتنان (Gratitude Journaling)	الشكر لله على النعم: “لئن شكرتم لأزيدنكم”.

هل الحل أبسط مما نتصوّر؟

هل فكرتِ يومًا أن كل ما تحتاجينه ليس عند Life Coach، ولا في تطبيق جديد، ولا في ورشة بـ 5000 ريال؟

أحيانًا الحل أبسط:

• جلسة مع الله في صلاتي الشفع والوتر
• جلسة مع نفسكِ بصدق.
• مواجهة أسئلتكِ العالقة بدل دفنها تحت طبقات من الكورسات.
• عودة لما هو أصيل في حياتكِ: إيمانكِ، قيمكِ، علاقاتكِ الحقيقية.

نركض خلف السعادة كما نركض خلف ترند موضة جديدة. “جربي هذا العلاج”، “سجّلي بهذه الجلسة”، لكن بعد سنوات، نكتشف أننا لا زلنا نبحث.

ربما كما قالت ايناس:
“الحل كان أمامي طول الوقت، بس أنا ما كنت أشوفه.”

في زحمة الحياة، قد ننسى أن نهدأ. أن نُفكر. أن نسأل بصدق: “ماذا أريد حقًا؟”
هل ستجرئين على التوقف عن الجري؟
هل ستستمعين للصوت البسيط داخلكِ؟

نقطة أخيرة للتفكير

قد يكون الحل الذي تبحثين عنه بسيطًا، أقرب إليكِ من كل هذه المسافات.
هل ستفتحين الباب، أم ستكملين الركض في نفس الدائرة؟

المقال انتهى. رحلتكِ نحو الإجابة تبدأ الآن. 🚀